باقى من الوقت

التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (1)

التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (1)

كلنا سمعنا بغسيل الدماغ ( والتنويم المغناطيسي هو غسيل دماغ مؤقت ) , فهو تغيير أفكار ومبادئ وعقائد وقيم الشخص , ووضع أفكار وقيم جديدة مختلفة عن التي كانت موجودة لديه .


إن الإيحاءات تشمل كافة مناحي حياتنا الثقافية والفكرية والعملية, والإيحاء هو أساس التنويم المغناطيسي . فنحن نوحي لبعضنا بالأفكار والمفاهيم والقيم التي نعتمدهم ونؤمن بهم , وهذا بمثابة تنويم مغناطيسي ( أو غسيل دماغ الآخر ) نقوم به فنؤثر به على الآخرين وندفعهم لتبني أفكارنا وقيمنا وأهدافنا وثقافتنا.

التنويم المغناطيسي صحيح (وسنوضح ذلك لاحقا ) , و كل منا يسعى لتنويم الآخر عندما يوحي إليه بأن أفكاره ومعارفه وقيميه هي الأفضل . ولكن من ينوّم الآخر ؟

إن كافة أشكال الإعلام هي إيحاءات فكرية  , أي هي نوع من التنويم المغناطيسي. ومفهوم غسيل المخ أو برمجة العقول , والذي يستخدم في نشر الأفكاروالعقائد والمبادئ وبالتالي دفع الناس لتبني أهداف ودوافع وغايات معينة عن طريق الإيحاءات باستخدام كافة أشكال الإعلام , هو شكل من أشكال التنويم المغناطيسي. وهذا أدركه الإنسان منذ قديم الزمان ( ودون أن يعرفه بشكل واضح ) وهو يستخدمه دوما وبفاعلية كبيرة  .

إن استعمال اللغة هو طريقة الدخول إلى عقل الآخر والتأثير على هذا العقل. إننا نستطيع إدخال أفكار وتصورات وأوامر إلى عقل الآخر عن طريق اللغة , إن هذه المدخلات مهما كانت طبيعتها تفرض تأثيراتها (صغيرة أو كبيرة)على هذا العقل فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام باستجابات لها , وهذا يمكننا من التأثير على هذا العقل والتحكم في الكثير من استجاباته وبالتالي تصرفاته .

إقرأ أيضا: التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (2)

إن هذه الظاهرة أو هذه القدرة التي تملكها اللغة كان يستخدمها الإنسان منذ القديم عندما أدرك فاعليتها وجدواها. وكل منا لاحظ تأثير اللغة على الآخرين وخلق الإيحاءات والاستجابات لديهم وبالتالي التحكم بتصرفاتهم , وذلك عن طريق التكلم معهم بأسلوب وطريقة مناسبة .

وقد كان للقصص أو الحكايا و للخطابة والأمثال والشعر ( والآن الإعلام ) تأثيرهم الكبير, وكانت الخطابة أشد تأثيراً لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو الجمهرة ) التي تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين , وكلنا لاحظنا " هتلر" وغيره كيف كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة الخطابة .

وتأثير الإيحاء يمكن أن يكون ذاتي , " يكذب كذبة ويصدقها ". مثل جحا عندما قال للأولاد الذين يضايقونه : أن هناك وليمة في المكان الفلاني فركض الأولاد إلى هناك , وعندما فكر حجا بما قال , وجد أنه ربما يكون هناك فعلاً وليمة فركض خلفهم . والوسوسة والتردد والتوهم . ., هم ناتج تأثير أفكار وإيحاءات دخلت الدماغ وأعطت تأثيراتها .

 ربما يكون هناك فعلاً وليمة


إن الأفكار بعد أن تولد في أحد العقول , نتيجة تفاعلات الحياة , أو نتيجة تفاعل أفكار سابقة كانت قد دخلت إليه . تسعى للخروج والتوضع في العقول الأخرى , نتيجة لأمور عديدة , ذاتية واجتماعية , فإذا وجدت العقل الذي يسمح لها بدخوله , دخلته وسعت لكي تتوضع فيه , وهي سوف تجابه بمقاومة وممانعة من قبل الأفكار المتوضعة فيه وتسعى لمنعها من التوضع فيه . فإذا استطاعت أن تجد لها مكاناً , احتلته وأقامت فيه .

وكلما كانت هذه الأفكار الداخلة أكثر اختلافاً أو متناقضة وغير منسجمة مع الأفكار الموجودة , كان احتمال توضعها أصعب , فهي تجابه بممانعة ورفض قوي وحتى تحارب وتمنع من التوضع , أي تسعى الأفكار الموجودة سابقاً في العقل للقضاء عليها ,ومنعها من الانتشار في العقول الأخرى .

فالأفكار الموجودة في العقول تحافظ على وجودها وتسعى لزيادة انتشارها في العقول الأخرى , وبشكل عام تقاوم الأفكار الجديدة من قبل الأفكار الموجودة , وهذا أساس المحافظة وعدم التجديد .

إن هذا يحدث وبغض النظر عن أي الأفكار أدق أو أصح , فالموجود هو الأساس , والجديد هو دخيل ويجب أن يقاوم مهما كان , ولكن دوماً هناك احتمال بأن تستطيع بعض الأفكار الجديدة التوضع والانتشار في العقول , وهذا يكون نتيجة عدة عوامل وهي :

يمكن للأفكار الجديدة احتلال مكان الأفكار القديمة


1- تكون العقول المستقبلة فارغة من الأفكار في هذا المجال, وعندها لا تجد من يقاومها فتتوضع بسهولة .
2- تكون الأفكار الجديدة قريبة من الأفكار الموجودة , أوهي تدعمها أو تنسجم معها .
3 - نتيجة تكرار نشرها , فهناك دور أساسي وهام جداً للتكرار في نشر الأفكار , فقد كان يقول " غوبلز " المسؤول عن الإعلام لدى " هتلر " لمساعيه:
كرروا وكرروا ما تنشروه فلابد أن يصدقكم الشعب ,

وهذا ما تمارسه كافة وسائل الإعلام بهدف نشر سلع أو أفكار أو خلق رغبات ودوافع أو استجابات وتصرفات لدى المتلقين.وإن للمحاكاة والتقليد دور أساسي وكبير في انتشار الأفكار في العقول .

بقلم : نبيل حاجي نائف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا مسبقا على إبداء رأيك ونشره في التعليقات
وشكرا أيضا على مشاركتك الموضوع مع أصدقائك

التنويم بالإيحاء من أقوى التقنيات العلاجية في وقتنا الحاضر. تعلم معنا طرق وتقنيات إتقانه

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :




مجلة التنويم بالعربي - العدد الثاني

«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكم...

إشترك على صفحتنا

المواضيع الأكثر قراءة