باقى من الوقت

التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (2)

التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (2)

إننا الآن جميعنا تحت تأثيرات الأفكار المنتشرة في العقول والتي تتنافس وتتصارع فيما بينها. وإذا عدنا إلى سؤال " من ينوّم الآخر؟ "

فأنا أرى أن المتحكم فينا " أو الذي ينومنا (أو يبرمج عقولنا ) ويتحكم بغالبية تصرفاتنا " :

هو الأفكار المنتشرة في العقول وبالذات التي تنشرها وسائل الإعلام , فهي التي تنومنا وتفرض علينا قوها وتأثيراتها , وبالتالي تفرض علينا غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا , أي " المؤثر الأكبر فينا " ليس الأشخاص والمؤسسات والحكومات , بل الأفكار والعقائد .. التي يقوم بنشرها الإعلام.

سوف يقول الكثيرون أن الدوافع والغايات هي الأساس , وليس الأفكار والثقافة التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه , لأنها هي التي تستخدم تأثيرات الأفكار والإيحاءات والإعلام لتحقق نفسها. إن هذا الوقع فعلاً، ولكن الغالبية العظمى من هذه الدوافع والغايات صنعتها الأفكار والثقافة والعقائد المنتشرة في المجتمع .

فالأفكار والعقائد والمبادئ التي يتبناها كل منا ( أي التي دخلت عقله وتوضعت فيه ) , نقلها له الآخرين , فصار ملزم بخدمتها وتنفيذ مضمونها حتى وإن تعارضت مع أقوى الدوافع البيولوجية مثل المحافظة على الذات , فهو يضحي بنفسه من أجل الأفكار التي تبناها.

 ليس الأشخاص والمؤسسات والحكومات

لنعد إلى سؤال من ينوم الآخر ؟

إننا نرى في النهاية أن المنومون الأساسيين أو المتحكمون فينا , هم مبدعي وخالقي هذه الأفكار. فجلجامش وحمورابي وهوميروس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وموسى وعيسى وبوذا و كونفوشيوس وزراتشت وابن عربي وابن رشد وكانت وهيوم وماركس وفرويد وأينشتاين والألاف غيرهم هم الذين خلقوا الأفكار وزرعوها أو نشروها في باقي العقول. فهؤلاء هم من برمجوا عقولنا ويتحكموا فينا.

كيف يحدث هذا وما هي الآليات والعمليات التي يجري استعمالها لتحقيق ذلك ؟

يجب أن نعرف أولاً كيف يكتسب الإنسان الأفكار والقيم والعقائد ( أو الثقافة ) أي كيف يبرمج دماغه أو عقله. إن دماغ أو عقل الإنسان مجهز فزيولوجياً وعصبياً وفكرياً , وبشكل موروث بيولوجياً بقدرات على اكتساب الأفكار والمعاني. ونتيجة اللغة المتطورة المحكية يكتسب أو يتعلم التصرفات والأفكار والقيم من أفراد الجماعة التي ولد ضمنها .

فهو يكتسب من أمه لغتها وكافة التصرفات والأفكار والتقييمات الأساسية التي هي اكتسبتها من أمها , و يتابع اكتسبه من باقي أفراد أسرته وعشيرته , وبذلك يتم اكتسب دماغه أو يبرمج دماغه بالأفكار والثقافة الموجودة لدى جماعته , أي يبرمج عقله عن طريق التوريث الاجتماعي وليس البيولوجي . ويتم اعتماد ما اكتسبه دماغه في كافة تصرفاته , وبهذا تنتقل الأفكار والثقافة عبر الأجيال .

ولكن كانت تحدث في كل فترة قفزة من تغيير في الأفكار المنقولة نتيجة ظهور أحد المفكرين ينتج عقله أفكار جديدة أو يعدل أو يطور بعض الأفكار الموجودة , ويملك في نفس الوقت القدرة ( كأن يكون رئيس الجماعة أو ذو شخصية قادرة . . . الخ ) على نشر أفكاره في عقول جماعته .هذا الرجل كان أول من استعمل طريقة غسل الدماغ , وهو الذي نجح في أن يبدل أو يطور جزء من الثقافة التي تتوارثها جماعته .

نتيجة اللغة المتطورة المحكية يكتسب أو يتعلم التصرفات والأفكار


أما الآن فغسيل الأدمغة أصبح يعتمد على المنجزات التي تحققت في مجال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الدماغ وما تحقق في مجال التواصل والاتصالات إن كانت سمعية أو مقروءة أو مرئية , وتم الاستفادة من ما تم التوصل أليه في مجال الإيحاء والتنويم المغناطيسي , وتأثير التكرار وتأثير ظاهرة الجمهرة .

فصار غسيل الدماغ يحدث في كافة المجالات وعلى كافة المستويات إن كان مستوى فرد أو مستوى مجموعة أو مستوى شعب كامل.

وطرق غسل الدماغ تنجح بسهولة عندما تطبق على الشبان الصغار فالكبار غالباً يصعب غسل دماغهم , فغسل الدماغ لا يمكن أن يتم بسهولة لدى الكبار , فهو يحتاج إلى وقت , ويمكن تقليل هذا الوقت باستعمال الكثير من الأساليب التي ثبتت صلاحيتها , مثل استخدام الأحاسيس النفسية والجسمية والمشاعر والعواطف القوية إن كانت مؤلمة أو مفرحة ولذيذة , واستعمال الإقناع الفكري , والترغيب والترهيب ولفترة طويلة , بشكل تجبر أغلب الأشخاص على تغيير أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم. ومعالجة الأمراض النفسية بالتحليل النفسي يمكن اعتباره نوع من غسيل الدماغ .

إقرأ أيضا: التنويم المغناطيسي حقيقي , ولكن من ينوّم الآخر (1)

ويمكن أن يتم غسل أدمغة الأفراد والجماعات دون أن يدوروا أن ذلك جرى لهم , وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة ... , وبواسطة أجهزة التعليم بكافة أشكالها. وهذه الوسائل أصبحت تملكها وتتحكم بها الدول والمؤسسات الكبيرة فهي الآن تقوم بغسل أدمغة غالبية الأفراد ووضع الأفكار والدوافع .... التي تريد .

يقول هربرت . أ . شيللر في كتابه المتلاعبون بالعقول :
تكتيكان يشكلان الوعي تستخدم الأساطير بكافة أشكالها القديمة والحديثة من أجل السيطرة على الأفراد , وعندما يتم إدخالهم على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي , وهو ما يحدث بالفعل من خلال أجهزة الثقافة والإعلام , فإن قوة تأثيرها تتضاعف من حيث أن الأفراد يظلون غير واعين بأنه قد تم تضليلهم .

ويقول جورج جيبرنر :
إن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض , وتشكل الوعي العام بما هو كائن , بما هو هام , وهو حق , وما هو مرتبط بأي شيء آخر , هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجاً يتم تصنيعه .

ياترى هل نحن أحرار فعلا كما نظن , ونقرر ما نريد بإرادتنا كما نقول ؟؟؟؟

بقلم : نبيل حاجي نائف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا مسبقا على إبداء رأيك ونشره في التعليقات
وشكرا أيضا على مشاركتك الموضوع مع أصدقائك

التنويم بالإيحاء من أقوى التقنيات العلاجية في وقتنا الحاضر. تعلم معنا طرق وتقنيات إتقانه

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :




مجلة التنويم بالعربي - العدد الثاني

«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكم...

إشترك على صفحتنا

المواضيع الأكثر قراءة