باقى من الوقت

التنويم الاجتماعي!

التنويم الاجتماعي!

قيل في الأثر (الناس نيام فإذاماتوا انتبهوا) ويقوم المجتمع بهذا التنويم , فالناس منوّمون تنويماً عميقاً تحت تأثير الإيحاء الاجتماعي الذي يرزحون تحت عبئه يوماً بعد يوم، من المهد إلى اللحد، والواقع أننا نيام أو منوّمون تحت تأثير التقاليد والاعتبارات والمعايير التي اعتدنا عليها في حياتنا اليومية.

فتقوم الطقوس الاجتماعية والمسلمات بدور المخدر الجماعي، ولاينفك من هذا التخدير إلا آحاد من الناس , والتنويم الاجتماعي له بالغ الأثر في شل التفكير، فالذي يقع تحت وطأته لايستطيع أن يفكر إلا في حدود ما يمليه عليه الإيحاء الاجتماعي.

ويقوم المجتمع من خلال سيطرة الإعلام والثقافة السائدة ونسيج القيم والمثل التراكمي، وسطوة العادات والتقاليد والعرف، بفرض حصار على استقلالية التفكير والشخصية، فيصرف الناس عن حقائق الدنيا والدين وحقائق الآخرة، إنه نوع من الذهول يصاب به أفراد المجتمع فتراهم يمشون ويركبون ويتحدثون ويأكلون ويشربون، ولكنهم واقعون في غياهب التنويم الاجتماعي، كمن هو واقع في التنويم المغناطيسي، فيوهن الوعي ويبعثر الادراك ويشل العقل، فيعمل الإنسان على طريقة ( الريموت كنترول ) يوجه المجتمع والبيئة الثقافية مسار حياته وانفعالاته اليومية، بل ومشاعره وتوتراته الشخصية، رغم ادعائه أنه إنما يقوم باتخاذ قراراته اليومية بفعل إرادته وتفكيره المستقل.

سيطرة الإعلام على المجتمع

هذا المشهد - التنويم الاجتماعي - يمر على الإنسان، كل دقيقة ويتكرر بطول ساعات النهار والليل، ولايحس بأنه يتصرف وفق مشيئة وإرادة المجتمع وغلبة نمطية التفكير السائد، والأدهى أنه يعتبر أن سجل تصرفاته وشعوره اليومي إنما يتم بمحض اختياره ومشيئته، فيعتبر مسلماته الذهنية وأدوات تفكيره ومنهج رؤيته للحياة والدين، صناعة ذاتية واستقلالا شخصيا، وهنا يتم استلابه مرتين . فالأولى خضوعه للتنويم الاجتماعي , و الثانية عدم تنبهه لأنه مجرد ترس في آلة يدور حيث تدور عجلة المجتمع، ويظن أن (فيزياء الجماعة) أو العقل الجمعي، مهمة شريفة وانقاذ لمخاوف التفرد والتميز .

فترى الإنسان يسعى ويتمنى ويشتهي أموراً , لو تأمل فيها لوجدها تافهة لاتستحق العناء والتكالب , ولكنه مدفوع نحوها بفعل تنويم / إيحاء المجتمع، بأدوات الوعظ الثقافي الاجتماعي اليومي، إذ تتم برمجة عقول الناس وجدولة ذهنياتهم على ووفق الأنساق والضوابط التي يرسمها بتكثيف مركز مجموعات التأثير والاستحواذ من خلال المنابر التعليمية والإعلامية وغيرها، فيقع الإنسان ضحية تمرير الأفكار والمسلمات والرؤية الأحادية , ليتم حجب وطمس بواعث التفكير المستقل, فينشأ الطفل وينمو ويتربى على ماقيل له بأنه صواب وحقيقة , فإذا سعت به الحياة في مدارج النمو , وخطا نحو التكوين العقلي , تشبث بما سمع واعتاد من صنوف وطرائق التفكير, وظن أنه واع ومستقل في قراراته الحياتية .

يقول الله سبحانه وتعالى

يقول الله سبحانه وتعالى ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) . فالعمى والغفلة والذهول والتنويم والإيحاء الاجتماعي, لاتصيب البصر, ولكنها تغشى البصيرة والعقل والإدراك والوعي، فيشل العقل.

لذلك فالحياة والمجتمعات تنتشر فيها وتوزع مجاناً، بل وبكل وسائل التغريروالترغيب والترهيب، أقراص ضد الحمل بأفكار جديدة وتحديات جديدة وقضايا جديدة، والإنسان كلما تحرر تفكيره نجح تدبيره، وكلما وقع تحت تأثير المنوّم الاجتماعي انشل تفكيره وصارت تسوقه وتربيه أفكار الغير، ممن يستحوذون على مجامع وسائط الاتصال بالناس، والتنويم الاجتماعي موجود أينما وجد الناس في جماعة منغلقة ومنكفئة على نفسها وإرثها الثقافي، ولابد للإنسان أن يقع - قليلاً أو كثيراً - فريسة التنويم الاجتماعي، والملاحظ أنه كلما ازدادت وتجددت واستقلت ثقافة الإنسان ووعيه وتحرر عقله وإدراكه، ضعف فيه وعليه تأثير التنويم الاجتماعي ومخاطره.

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا مسبقا على إبداء رأيك ونشره في التعليقات
وشكرا أيضا على مشاركتك الموضوع مع أصدقائك

التنويم بالإيحاء من أقوى التقنيات العلاجية في وقتنا الحاضر. تعلم معنا طرق وتقنيات إتقانه

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :




مجلة التنويم بالعربي - العدد الثاني

«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكم...

إشترك على صفحتنا

المواضيع الأكثر قراءة