باقى من الوقت

التنويم المغناطيسي بين الحقيقة والخيال؟ ج2

التنويم المغناطيسي بين الحقيقة والخيال؟

تكملة للجزء الأول والذي يمكنك قراءته من هما - التنويم المغناطيسي بين الحقيقة والخيال؟ ج1

استخدامات العلاج بالتنويم:

يسعى المعالج بالتنويم إلى إظهار بعض الذكريات من اللاوعي لدى المريض أو أن ييسر له البوح ببعض أفكاره وانفعالاته المزعجة أو غير المقبولة التي لا يستطيع الحديث عنها صراحة في حالته الطبيعية.

ورغم أن العلاج بالتنويم قد أخذ في الانحسار تدريجياً مع تطور وسائل العلاج النفسية الأخرى في العصر الحديث إلا أنه قد حقق في السابق درجات مختلفة من النجاح في علاج مجموعة من الأمراض مثل:

1- السمنة.
2- يستخدم أطباء علم النفس التنويم الإيحائي في علاج أو مساعدة العديد من مرضاهم عن الإقلاع عن عادة لا يحبونها أو علاج مرض معين، ومن أهم هذه الحالات: إدمان الكحول والمخدرات والنيكوتين،، تحسين التركيز، الاجتهاد في العمل.
3- تم استخدامه في التخدير قبل العمليات الجراحية في القرن الماضي، لكنه نظراً لاكتشاف عقاقير التخدير فإنه لم يعد يستخدم في الوقت الحاضر.
4- الآلام المزمنة.
5- الربو.
6- الثآليل.
7- الحكة.
8- حبسة الكلام.


وليس من المناسب استخدام هذه التقنية العلاجية لعلاج ذوي الشخصيات الوسواسية، وكذلك الشخصيات الشكاكة المرتابة نظراً لانعدام ثقتهم بمن حولهم بمن فيهم المعالج نفسه.

التقنية الحديثة للعلاج بالتنويم:

يستخدم المعالج بالتنويم عدة وسائل في علاجه، والتي منها على سبيل المثال سؤال المريض بأن يركز نظره على شيء ما أمامه، وأن يسترخي تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة يكون فيها غير واعٍ لما يدور حوله بدرجة كافية. ويشترط للعلاج بالتنويم أن يكون المريض متفاعلاً ومستعداً للتعاون مع المعالج، ورغم ذلك فإن هناك 5-10% من الناس لا يمكن تنويمهم مهما بلغت مهارة المعالج ودرجة تعاون المريض معه، في حين تختلف درجة القابلية للإيحاء عند 90% الآخرين. كما أنه يمكن أيضاً للمريض نفسه بعد فترة من التدريب أن يقوم بتنويم نفسه.


وتختلف طرق التنويم بحسب الغاية التي من أجلها يُنوّم الإنسان أو الوسيط. فقد يكون المنوم مشعوذاً أو طبيباً أو باحثاً أو هاوياً، فيكون الهدف أحياناً هو خداع الناس أو تسليتهم أو يكون طبيباً بحيث يستخدم التنويم لعلاج بعض الحالات النفسية وقد يكون الهدف إجراء بعض التجارب والبحوث أو يكون مجرد هواية لمحاولة استشفاف الغيب.


ومهما يكن الهدف من التنويم فإنه يجب أن يتم في مكان هادئ ونور خافت، بعيداً عن اللون الأحمر والألوان الزاهية البرّاقة، كما يجب أن يستلقي الوسيط على مقعد وثير بطريقة مريحة، وأن يحل ربطة العنق والأحزمة الضاغطة وينزع الأحذية الضيقة، ثم يجب أن يعرف الوسيط الهدف من النوم، وأن لا خطر من التنويم المغناطيسي على النائم، كما يطلب منه عدم المقاومة وأن يكون إيجابياً خلال مراحل النوم، ثم يبدأ المنوِّم بالإيحاء النفسي، معتمداً في ذلك على استغلال بعض الأشياء التي تحدث طبيعياً في جسد الإنسان ونوضح ذلك على النحو التالي:

في البداية يطلب المنوِّم من الوسيط أن يجلس ويداه مفتوحتان على ركبتيه، بحيث يكون باطن الكف إلى أعلى، فيوهمه بأن أصابعه سوف تنقبض بأثير قوة التيار المغناطيسي الذي يوجهه المنوِّم، وبعد لحظات يشعر الوسيط بأن أصابعه فعلاً تبدأ بالانقباض، وهذا الشعور طبيعي لأن أي إنسان إذا ما أرخى عضلات يده فإنه سوف يجد أن أصابعه تنقبض تلقائياً، فإذا أحس الوسيط أن أصابعه قد بدأت تنقبض، توهّم أن هذا الانقباض نتج فعلاً بتأثير من المنوِّم، ثم بعد ذلك يوهمه المنوِّم بأن يديه كما انقبضت بفعل التأثير المغناطيسي سوف تنقلب تلقائياً بحيث يصبح باطن اليد إلى أسفل بعد أن كان إلى أعلى، وفعلاً بعد أن تنقبض الأصابع تدور اليد كما أشار المنوِّم، وهذا أيضاً أمر طبيعي، ويمكن لأي إنسان أن يجرب ذلك بنفسه، فإذا شعر هذا الوسيط والذي غالباً ما يكون إنساناً بسيطاً أو مثقفاً طيب القلب يصدق كل ما يقال له، فإن ينقاد انقياداً أعمى إلى المنوِّم فتزداد ثقته به وبكلامه وبطاقته المغناطيسية، وبعدها يتحول المنوِّم بالإيحاء إلى عيون الوسيط بعد أن يضع أمامه كرة صغيرة لامعة ويطلب منه أن يحدق فيها ولا يلتفت لسواها، فيوحي إليه بأن أجفانه سوف تصبح ثقيلة وتأخذ بالانغلاق رويداً رويداً، وأن محاولة فتحها أصبح أمراً صعباً، وأن عليه الاستسلام وإغلاقها كي لا يتعب.


والحيلة الكامنة هنا هو أن المنوِّم يضع الكرة اللامعة على مسافة قريبة جداً من عيني الوسيط وفوق مستوى النظر، وهذه الوضعية يتوخاها المنوِّم لهدفين.

الهدف الأول: هو جعل عضلات عدسة العين الشعرية (Ciliary Bodies) تعمل بكامل طاقتها وقدرتها لتركيز الصورة على شبكة العين (Retina) وهذا يؤدي لشعور العين بالتعب، كما أن وضع الكرة اللامعة فوق مستوى العين يجبر عضلات الجفن الأعلى على الانقباض بصورة أشد من الحالة العادية وهذا ما يجعلها تتعب


أما الهدف الثاني: فيكمن في بريق الكرة إذ إن التحديق في جسم لامع يخفف من نشاط وحيوية الإنسان ويعزله عما يدور حوله من أمور. فإذا تعبت العين وقل النشاط والحيوية وأخذ يشعر بلحظات انسلاخ من المحيط الموجود فيه، ازدادت ثقته وقناعته بكلام المنوِّم إلى حد كبير بحيث لا يعود يشك في أية كلمة يسمعها منه. فإذا وصل المنوِّم إلى هذا الحد، أوحى إليه بأن الأصوات حوله بدأت تخف وأن لا صوت يسمع سوى صوت المنوِّم وبأن شعوراً جارفاً بالنوم بدأ ينتابه ولا فائدة من مقاومته وأن عليه الاستسلام لأن النوم فيه راحةله ثم يقول له بعدها بان أنفاسه قد أصبحت طويلة وبأن جسده أصبح خفيفاً جداً وهكذا يستمر المنوِّم بالإيحاء عن طريق استغلال أشياء حقيقة تحصل في جسد النائم حتى تحصل الحالة التي نسميها النوم المغناطيسي.


وحينما يكون المريض تحت تأثير التنويم سواءً بمساعدة عقار أو بدون استخدام العقاقير فإن المعالج يتركه يتحدث كيف يشاء، ثم يستخدم ذلك في العلاج لاحقاً.


وتتصف الحالة التي تنتاب المريض أثناء العلاج بالتنويم بالتغيرات التالية:
1- انعدام روح المبادرة وانتظار المريض لأوامر معالجه.
2- انعدام الاستجابة للمؤثرات الخارجية سوى ما يوجهه إليه المعالج.
3- ازدياد القابلية للإيحاء.
4- ضعف ارتباط المريض بالواقع من حوله.
5- شعور المريض ببعض التخيلات الغريبة كشعوره بأنه موجود في زمان ومكان غير الزمان والمكان الذَين يحياهما.
6- نسيان المريض لما حدث أثناء جلسة العلاج في بعض الأحيان خصوصاً عند ذوي الشخصيات القابلة للإيحاء بشكل كبير عندما يأمرهم المعالج بذلك.


ولعل بعض طلبة العلم يتحرج فيما يتعلق بحكم مثل هذه الطريقة العلاجية، حيث إن المسلم مأمور بتجنب كل ما يؤثر على وعيه وإدراكه إلا ما دعت إليه الضرورة كالبنج في العمليات الجراحية حتى لا يشعر المريض بالألم.

وفي الحقيقة أن الألم النفسي الذي يعاني منه المرضى النفسيون لا يقل في بعض الأحيان عن الألم العضوي بل قد يفوقه.

ما حكم التنويم المغناطيسي؟

تباينت الفتاوى حول التنويم المغناطيسي، وسبب تباينها يكمن في التصنيف الذي يوضع فيه التنويم المغناطيسي، فمن صنفه في مجال الكهانة والسحر واستخدام الجان قال بمنعه دون تفصيل، ومن صنفه في مجال الإيحاءات والمجالات العلمية والنفسية قال بحليته إذا استخدم فيما هو خير كالعلاج ونحوه، وننقل هنا فتويين يبينان هذا الاختلاط.

الفتوى الأولى: فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 1779 في المجلد الأول (العقيدة) صفحة 399 الطبعة الثانية 1412هـ، السؤال: ما حكم الإسلام في التنويم المغناطيسي وبه تقوى قدرة المنوم على الإيحاء بالمنوم وبالتالي السيطرة عليه وجعله يترك محرماً أو يشفى من مرض عصبي أو يقوم بالعمل الذي يطلب المنوم؟.

تقول فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في دار الإفتاء السعودية عن التنويم المغناطيسي: التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني يسلطه المنوِّم على المنوَّم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بسيطرته عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعاً له مقابل ما يتقرب به المنوم إليه ويجعل ذلك الجني المنوم طوع إرادة المنوم يقوم بما يطلبه منه من الأعمال بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم غير جائز، بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها الله سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم. انتهى كلام اللجنة.

الفتوى الثانية: (من موقع الإسلام اليوم) العنوان التنويم المغناطيسي في العلاج الطبي، المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، التصنيف: الطب والصحة، التاريخ 29/7/1426هـ، السؤال: ما حكم التنويم المغناطيسي في العلاج الطبي؟ علماً أن دراسة التنويم المغناطيسي جزء من المنهج الدراسي في الطب، وقد قرأت فتوى أنه حرام، على أساس أنه يتعلق بالجن، وقرأت أيضاً عن هذا العلاج كثيراً، وكله يتركز على أمور نفسية لا علاقة لها بالجن والسحر؟
الجواب: يمكن إيجازه فيما يلي:

1- أن المسمى الصحيح لهذا التنويم هو (التنويم الإيحائي).

2- أن بعض الفتاوى التي صدرت في حكم التنويم المغناطيسي إنما كانت بناءً على ممارسات غير صحيحة، وغير داخلة في مسمى التنويم الإيحائي (المغناطيسي) فالإخبار بالغيبيات واستعمال الجن ينكرها من يمارس هذا النوع من أطباء ومختصين.

3- أن التنويم الإيحائي (المغناطيسي) مجال علمي معروف، ومهمته العلاجية معروفة، وله قواعد وأسس، وتحقق به إنجازات طبية معروفة.

4- أن التنويم الإيحائي يراد منه إقناع المريض بالعلاج الذي كان يرفضه في أحواله الاعتيادية، وكذلك يُراد من هذا التنويم تشكيل قناعة جديدة إيجابية لدى المريض حتى يتجاوز قناعته السلبية.

5- أن هناك ممارسات اختلطت بالتنويم الإيحائي (المغناطيسي) عند الأداء، وهذه الممارسات احتوت على أمور محرمة، فبدا للناس منها أن هذا التنويم محرم، والحرمة إنما جاءت من الممارسات لا من التنويم كما يحصل في (السيرك) من استعمال السحر والشعوذة.

6- أن التنويم الإيحائي باعتباره نوعاً من المعالجة يمكن أن يستخدم في الخير ويمكن أن يستخدم في الشر، فالإقناع بفكرة ما يعتمد على مشروعية هذه الفكرة أو عدم مشروعيتها فإن كانت الفكرة حسنة جازت المعالجة، وإلا فلا. والله أعلم.

فإذا تأملنا هاتين الفتويين عرفنا أن التنويم المغناطيسي يطلق على نوعين من الممارسات يختلف كل منهما عن الآخر اختلافاً كبيراً، وأمكننا - حينئذ - القول إن التنويم المغناطيسي إذا قام على استخدام الجن كان حراماً، ولو كان المراد منه خيراً، ولك أن تراجع في استخدام الجن في الخير الفتوى رقم: 7369.

وإذا كان التنويم المغناطيسي يقوم على الإيحاء والممارسات النفسية كان مباحاً إذا استخدم فيما هو خير، وحراماً إذا استخدم في الشر. والله أعلم.

بقلم: د. محمد السقا عيد
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا مسبقا على إبداء رأيك ونشره في التعليقات
وشكرا أيضا على مشاركتك الموضوع مع أصدقائك

التنويم بالإيحاء من أقوى التقنيات العلاجية في وقتنا الحاضر. تعلم معنا طرق وتقنيات إتقانه

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :




مجلة التنويم بالعربي - العدد الثاني

«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكم...

إشترك على صفحتنا

المواضيع الأكثر قراءة