باقى من الوقت

تأثير العقل الواعي على الوظائف البيولوجية أو الفسيولوجة bio – Feedback

تأثير العقل الواعي على الوظائف البيولوجية أو الفسيولوجة

من المؤسف أن الأغلبية منا وبالذات في شرقنا العربي لا يعرفون إلا أقل القليل عن علم النفس، وحتى هذا القليل القاصر ربما على مصطلحات من قبيل عقل باطن، عقل واعي، لا نعرفها إلا كمسميات دون أن ترتبط في أذهاننا بممارسات عملية.

وحتى في الأوساط المثقفة حسنة التعليم، تجد الكثيرون يعولون على التغييرات التي تأتي من الخارج لتحسن مستواهم المعيشي أو الفكري أو تنمي ذكائهم، دون أن يجهدوا لممارسة التغيير والتطوير بإرادتهم وقناعتهم وحاجتهم الشخصية.

لا شك أننا جميعاً نتمنى بل ونعلم على أن تتغير شروط حياتنا وظروفها من خلال تغيير سياسيٍ وإصلاح اقتصادي واجتماعي، لكن حتى لو حصل هذا وهو مستبعد على أية حال، نقول حتى لو حصل فإنه لن يغير أوضاعنا كثيراً إذا لم نكن نحن مستعدون ومتحمسون للتغيير من داخلنا وبأدواتنا الشخصية وبالمعارف الراقية التي نستحصلها.

أنا شخصياً، وقبل أن أتعرف على التأمل والإيحاء والسيطرة على العقل الباطن من خلال العقل الواعي، كنت أندهش بقوة لأفعال فقراء الهنود في السيطرة على التنفس أو درجة حرارة الجسم أو السير على الجمر أو غيرها، وكنت أحسبها سحراً وكم من الأشياء ما نعده سحراً وما يحرم الدين الإسلامي حتى التساؤل بشأنه أو التفكير فيه لأنه يسبب غضب الله حسب وهم رجال الوعظ والإرشاد في هذه الأمة المريضة الكسيحة.

مصطلح الbio-Feedback هو الممارسة التي يقوم بها الكثير من الروحانيين ومن أديان عديدة، ويعنى به تغيير الوظائف البيولوجية للجسم من خلال المخ وعبر سيطرة العقل الواعي على العقل الباطن …!

سيسألني الكثيرون، وهل بمقدورنا أن نسيطر على العقل الباطن من خلال الوعي، وأجيب بلى وببساطة إذا ما كنا جادين متحمسين مقتنعين ومصرين على ذلك …!!

لكن كيف؟ من خلال الاسترخاء أولاً، لأنك إن لم تسترخي لا يمكنك أن تركز وعيك على غرضٍ ما، فالوعي المشغول بحوارٍ داخلي وحسابات عديدة واستعراض مستمر لصور مختلفة تتدفق باستمرار على شاشة الذهن، لا يمكنه أن يركز على وظيفة بيولوجية داخلية ويحاول أن يغيرها …مستحيل …!

الأمر الثاني : اعتماد لغة العقل الباطن، لتوصيل الأوامر إليه. كيف ..؟ تماماً كما أنك لا يمكن أن تتحدث مع الإنجليزي الذي لا يعرف غير إنجليزيته، إلا بتلك اللغة إذا أردت أن تتواصل معه بشكل ودود وتوصل له المعلومات والمشاعر التي تريد إيصالها، فكذلك لا يمكنك أن تخاطب العقل الباطن بغير لغته التي يعرف.

تسألني، وما هي لغة العقل الباطن، أجيبك الصور …!!

تسألني، وما هي لغة العقل الباطن، أجيبك الصور …!!

العقل الباطن يستجيب للصورة الحسية أكثر مما يستجيب للكلمات وإن امتزجت الكلمة بالصورة كان التأثير أكبر.

الأمر الثالث : أن تكون صبوراً ومؤمناً بهذا الذي تفعله، وكلما كلن إيمانك قوي وكلما كنت أكثر صبراً كلما أشركت أكبر قدر من الخيال وأدخلت أكبر عدد من الحواس في الصورة الخيالية التي ترسمها، كلما تسنى لك أن تفعل تلك الأنشطة التي تود فعلها، سواءٍ للتسلية أو الاستعراض أو لتقوية قدراتك الذهنية وتحقيق أهداف أكبر في حياتك.

القوة السيكولوجية أو الروحية عزيزي القارئ، قوةٌ عظيمة يمكن أن تغني حياتنا وتزيد من ثقتنا بأنفسنا وتمكننا من تحقيق الكثير من الأهداف التي يتعذر علينا تحقيقها من خلال المعارف أو الإمكانات الأخرى .

هناك أنشطة عديدة انتخبت لهذا المقال بعض اليسير منها لتبيان قوة تأثير العقل الواعي على العقل الباطن، وهي في الغالب متشابهة مع بعضها البعض في بعض المحاور، حسناً لنجرب الآتي :

أختر مكاناً منعزلاً عن الناس، في غرفتك الخاصة مثلاً، أستلق على سريرك أو أجلس على كرسيٍ مريح، أسترخ تماماً وألقي بيديك في حجرك أو إلى جوارك إذا كنت مستلقياً، أغلق عينيك وأشرع بترديد الإيحاء التالي :

- إنني ساخنُ اليدين، إن حرارة يدي ترتفع تدريجياً … كرر هذا الإيحاء لعشرة مرات .
- بذات الآن الذي تقوم فيه بالإيحاء لنفسك بأن حرارتك ترتفع قم بتخيل ارتفاع الحرارة، تخيل أن يديك تسخنان، تصور في ذهنك وأمام عينيك صورة يداك وهما تتعرقان، كثف الصورة أكثر وأكثر وأستمر بترديد هذه العبارة في داخلك بصوت خفيض. يداي تسخنان …يداي تسخنان ….
- بعد عشر دقائق من أداء التمرين ستشعر أن كفيك قد سخنتا فعلاً ولو كان عندك من يتحسس حرارة يديك أو لو امتلكت في تلك الساعة محراراً لتسنى لك أن ترى فرقاً كبيراً بين حرارة يدك قبل بدء التجربة وحرارتهما عقبها.
- ذات التمرين يمكن أتباعه مع كافة الوظائف البيولوجية أو الفسيولوجية الأخرى، مع تغيير نمط الصور التي نصنعها في الذهن بينما نحن نردد العبارة المناسبة لكل وظيفة، سواء كانت تلك الوظيفة تنفس أو دقات قلب أو هضم أو إفراغ أو غيره، مع التأكيد على أنه من المحذور القيام بتجارب حساسة كإيقاف التنفس أو تخفيض ضغط الدم بدون استشارة الطبيب، فهناك من يخفق في السيطرة على تنفسه أو دقات قلبه وبالتالي قد تكون العواقب غير محمودة لا سمح الله.

وبالمناسبة فجميع هذه التمارين، يمكن أن نمارسها على الآخرين شريطة أن يكونوا راغبين بذلك، بعكسه فإننا لن ننجح في السيطرة على عقولهم الباطنة من خلال عقولنا الواعية، إلا في حالة التنويم المغناطيسي.

حسناً … لنجرب هذا التمرين في حالة الألم كالصداع أو ضيق التنفس أو أي ألم تعانيه ( بالمناسبة جربت هذا مع آلام قاسية جداً لدى آخرين وتمكنت من لإيقافها ) :

ألام الرأس

- أسترخ أو دع مريضك يسترخي على سريرٍ مريح.
- ضع يدك على مكان الألم، وليكن جبهتك مثلاً أو المكان المتألم لدى الآخر.
- إبدأ بترديد العبارات التي تناسب نوع الألم ولنفترضه الصداع أو آلام الروماتزم أو القرحة، ودع رفيقك أو مريضك يردد معك ما تقوله وليكن :

رأسي هادئ ، رأسي بارد ، أشعر براحة عميقة في رأسي ، أنا سعيد ، أنا مرتاح ، أنا معافى …أشعر بأني أزداد صحة وعافية ، أشعر بأني أزداد ارتياحا وهدوءا …الخ .

- بذات الآن الذي تردد فيه هذه العبارات ويرددها معك الآخر ( المعني بالألم )، وكليكما في حالة استرخاء عميق، وعيونكما مغلقة، قم بنسج صور ذهنية جميلة تدل على الصحة والعافية، من قبيل أن تتخيل العضو المتألم وهو بارد وهادئ ومعافى، تخيل الرأس المصدع وهو يهتز طرباً لسماع موسيقى أو تخيله وهو يستحم في حمامٍ بارد وأوح لشريكك أن يشاركك التصور كيف أن رأسه منتشٍ تحت رشاش الماء البارد أو تخيل أنكما تستحمان في بحيرةٍ أو نهرٍ باردٍ جميل عذب الماء، قم بوصف المكان بشكل جيد وصف مشهد الماء وأنتما تقفزان إليه ورذاذ الماء وهو يتناثر، ولحظة تصف المشهد الجميل ولحظة أخرى تردد أنك أو ( هو ) في حالة هدوء وسلام وعافية.

ذات التمرين يمكن تطبيقه مع كل الآلام والأمراض، شريطة أن تحدد بالضبط مكان الآلام وأن تسترخي ( أو تسترخيان أنت ومريضك ) في حالة معالجة شخص آخر، ثم تقوم بالإيحاء بصوت واثق ومسموع من قبل الآخر، وأن لا يكون الصوت مهدداً أو مستفزاً، إنما واثق وحازم ومقنع، ثم عليك أن توحي بصورة مناسبة للمرض أو العلة أو العضو المصاب.

الحقيقة أن هناك أساليب عديدة للعلاج النفسي أو الروحي، كالتنويم المغناطيسي والرايكي والسيلفا وغيره، ولكن هذا النوع من العلاج هو أقربها لسرعة التحقق والتأثير ولا يحتاج لخبرات كبيرة أو تأمل عميق، وكما في بقية أساليب العلاج غير الطبية، يمكن أن يتحقق الشفاء دون الحاجة إلى استخدام الأدوية بما فيها من تأثيرات جانبية كبيرة على جهاز المناعة وبقية الوظائف الفسيولوجية.

بالمناسبة، هذه المعارف السيكولوجية العميقة، كانت تعد في السابق من علوم السحر أو التواصل مع القوى الخارجية الخفية، وكان ممارسها إما أن يعد شيطاناً أو قديساً ولا منزلة بين المنزلتين، ولكنها في واقع الحال علوم طبيعية وقدرات منطقية وقابلة للتفسير على ضوء النهضة العلمية الجبارة التي حصلت في علم النفس منذ خمسينات القرن الماضي .

بمعنى آخر، أن ما نفعله أو نقوله هو بعضٌ من ممارسات علمية محترمة وتمارس في أرقى معاهد البحث العلمي وقد غدت لها معاهد تدريس خاصةٍ منتشرة في طول العالم الغربي وعرضه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا مسبقا على إبداء رأيك ونشره في التعليقات
وشكرا أيضا على مشاركتك الموضوع مع أصدقائك

التنويم بالإيحاء من أقوى التقنيات العلاجية في وقتنا الحاضر. تعلم معنا طرق وتقنيات إتقانه

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة

  • عدد المواضيع :

  • عدد التعليقات :

  • عدد المشاهدات :




مجلة التنويم بالعربي - العدد الثاني

«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكم...

إشترك على صفحتنا

المواضيع الأكثر قراءة